طرابلس: لوائح المجتمع المدني تتصدّع
لم تستطع لوائح المجتمع وقوى التغيير في طرابلس الصمود في الأمتار الأخيرة قبل موعد الإستحقاق الإنتخابي في 15 أيّار / مايو الجاري، إذ سرعان ما دبّ الخلاف بين أعضائها، ما أدّى إلى انسحاب بعضهم من لوائح إنضموا إليها، الأمر الذي أسهم في تفكّكها وترك ذلك آثار سلبية عليها، مقابل تقلّص آمالها بتحقيق نتائج إيجابية كانت تعوّل بالبناء عليها في الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة، نظراً لأنّ إمكانية تحقيقها الفوز بأحد المقاعد النيابية الـ11 في دائرة الشّمال الثانية (طرابلس والضنية والمنية)، هذه المرّة، معدومة تماماً.
أولى اللوائح التي ظهر التصدّع في صفوفها كانت لائحة الإنماء والإستقرار المدعومة من حركة “سوا للبنان” المحسوبة على بهاء الحريري. ففي أواخر شهر نيسان / إبريل الماضي أعلنت عضو اللائحة والمرشّحة عن أحد المقاعد السنّية الخمسة في طرابلس، ديما ضنّاوي، إنسحابها من اللائحة، كاشفة أنّ “أسباب الخلاف مع حركة “سوا للبنان” تتلخص في الفوضى الداخلية، وفي سوء الإدارة، وانتهاك الكرامات وغيرها”.
إنسحاب ضنّاوي تلاه في اليوم التالي إنسحاب زميلتها في اللائحة في طرابلس أيضاً سوسن كسحة، إذ اتهمت حركة “سوا للبنان” بأنّها “أتت بمشروع الإنسان والوطن لم نرَ من مضمونه أيّ بادرة تثبت بأنّهم فعلاً مع المساواة، وتحفيز المرأة، وضد التمييز، بل العكس تماماً، فما عانيته من تمييز علني وتفرقة وإجحاف واضح للعيان منذ البداية، كان من أهم أسباب إنسحابي من هذه اللائحة”.
سبحة الإنسحابات من لائحة بهاء الحريري لم تتوقف عند هذا الحدّ، فمنتصف الأسبوع الجاري أعلن المرشّح عن أحد المقعدين السنّيين في الضنّية الدكتور عبد القادر الشّامي إنسحابه من عضوية اللائحة، التي بات عدد أعضائها يقتصر على 7 فقط. وقد برّر الشّامي إنسحابه بأنّ “المسيرة الإنتخابية سارت عكس توقعاتنا، بالرغم أنّها كانت معركة وفرصة حقيقية للتغيير، لو حلّت المصداقية والوحدة للائحتنا مكان الوعود والتشرذم وعدم الثقة”.
قبل ذلك بأيّام كان المرشّح محمد جبارة عن أحد المقعدين السنّيين في طرابلس على “لائحة فجر التغيير” قد أعلن إنسحابه من اللائحة التي انخفض عدد أعضائها إلى 6 مرشحين. وقد برّر جبارة إنسحابه “لأنّني تلقيت طعنات في الظهر لإخراجي من المعادلة”، موضحاً أنّه “سأكشف تفاصيل ما حصل معي في وقت لاحق”.
لكنّ التصدّع الأكبر وتبادل الإتهامات على نطاق واسع حصل في “لائحة الجمهورية الثالثة” التي يرأسها المرشّح عمر حرفوش، الذي اعتبر بنظر كثيرين مرشّحاً مثيراً للجدل، وظاهرة غير مسبوقة لا في الشّكل ولا في المضمون في طرابلس، بسبب مواقفه السيّاسية وطريقة عمله، وأسلوب حياته الشّخصي.
فبعد حادثة سرقة المقاعد البلاستيكية من ملعب مفتوح إثر انتهاء مهرجان أقامه حرفوش في طرابلس مطلع الشهر الجاري، وما أشيع عن سرقات تعرّضت لها ماكينته الإنتخابية واحتمال إنسحابه من السباق الإنتخابي، خرج في الساعات الماضية في تغريدة لافتة سلطت الأضواء على ما يحصل في لائحته من خلافات.
فقد غرّد حرفوش أنّه “لم أعطي وعداً لأيّ شخص بأموال خصوصاً أعضاء اللائحة. كلّ عضو لائحة بدأ يريد أموالاً ويعمل إبتزازاً أطلب منه الإستقالة فوراً”، مشيراً إلى أنّه “وصل الأمر أنّ بعض أعضاء اللائحة طلبوا أموالاً مقابل إمضاء ورقة المندوبين الجوّالين (ديالا الأسطا مثلاً)”، ومضيفاً: “لا نستطيع محاربة الفساد بهذه العقلية. عليه أطلب من (المرشحين) نزيه زود وديالا الأسطا الإستقالة فوراً”، ومتحدثاً في تغريدة أخرى عن عمليات إبتزاز له من قبل أعضاء اللائحة.
لكنّ زوّد، المرشّح ضمن اللائحة عن أحد المقعدين السنّيين في الضنّية، سارع إلى الردّ على حرفوش في مؤتمر صحافي رأى فيه أنّ “من يريد محاربة الفساد لا يشتري أصوات النّاس وضمائرهم ويستغل فقرهم، وإذا كنت تريد أن تستمر وتواجه إحكي الذي معك والذي عليك، خصوصاً أنك تقول بأنّك شفاف وتحكي حقائق”، ودعا حرفوش إلى “الإنسحاب لأنّه فاسد”، ومؤكّداً أنه “لن أنسحب من الإنتخابات ومستمر فيها حتى النهاية”، وتلته زميلته الأسطا عن أحد المقاعد السنّية الخمسة في طرابلس بإعلانها الإنسحاب من اللائحة، قبل أن يتبعها زميلها المرشّح عن المقعد العلوي في طرابلس أحمد علي بالإنسحاب أيضاً، ما جعل عدد أعضاء اللائحة ينخفض إلى 6 فقط.
هذه التفكّك ضمن لوائح المجتمع المدني وقوى التغيير طرح أسئلة عدّة حول توجّه الناخبين المؤيدين للمرشّحين المنسحبين، وأين سيصبّون أصواتهم، بعدما تقلصت حظوظ اللوائح التي خرجوا منها في تحقيق نتيجة تحفظ، على الأقل، ماء وجه أعضائها.
عبد الكافي الصمد